1- الجوع والغضب؛ كيف تؤثر الزراعة الحديثة على فقراء العالم؟

هل يمكن لأحد أن ينظر إلى ذلك التقدم والتطور المتسارع الذي تعيشه الإنسانية في الفترة الأخيرة على أنه شرٌ خالص؟ هل يمكن لأحد أن يتجاهلها ويستمر في التعامل مع حياته وعمله بنفس الوسائل القديمة؟ سيبدو حينها ذلك تصرفًا غير عقلانيًا؛ إذ كيف يمكن أن نتخلى عن تلك السهولة التي تقدمها التكنولوجيا ونعود إلى أساليب بدائية بطيئة، بل ويمكن اعتبارها غير ذات نفع في كثير من الأحيان؟ وطبقًا لتلك المفاهيم تحديدًا فقد اتُهمت عالمة الاجتماع الهندية (فاندانا شيفا ) بأنها تسعى إلى نشرالأساليب البدائية في الزراعة، وذلك عندما ألقت محاضرة في القاهرة عام 2004 م عن السلبيات والمخاطر الناتجة عن الزراعة بالتكنولوجيا الحديثة والتي تعتمد على الحبوب المعدلة وراثيًا والمبيدات الكيماوية، وما تسببه من أضرار على صحة الإنسان والبيئة.

وعلى الرغم من الهجوم الذي تعرضت له (فاندانا شيفا ) في ذلك الوقت، فلم تمر سوى سنوات قليلة حتى أثبتت الأحداث أنها كانت على حق؛ حيث ارتفعت أسعار الغذاء وهو ما أدى إلى ارتفاع أعداد الجوعى على مستوى العالم وانتشار المجاعات، هذا بالإضافة إلى أعداد المصابين بالسرطانات التي استمرت هي الأخرى في الارتفاع نتيجة الاستخدام المفرط للحبوب المهجنة وراثيًا والأسمدة والمبيدات الكيماوية، وقد كان السبب الرئيسي في ذلك التحول الذي شهدته الزراعة والسلع الغذائية هو انتقالها من المزارع المحلية التي يديرها الفلاحون الصغار إلى أيدي الشركات الرأسمالية الكبرى التي تسعى إلى احتكار الإنتاج والقضاء على المزارع الصغيرة والإنتاج المحلي.

لم تكن المجاعات تحدث نتيجة لأن العالم يعاني من نقص الغذاء، بل لارتفاع أسعاره بشكل لم يستطع كثير من البشر في كثير من البلدان على مستوى العالم تحمل تكلفته. ومع كل مرة يرتفع فيها سعر سلعة غذائية ما فإن آلاف من الناس تخرج في مظاهرات شعبية تعبيرًا عن غضبها لسوء أحوالها وسوء أحوال الاقتصاد من حولها، ففي (السنغال) خرج الشعب احتجاجًا على ارتفاع أسعار الأرز الذي كانوا يستوردون منه حوالي 80% من احتياجاتهم.

وفي (هاييتي) -الدولة الفقيرة التي يعيش سكانها بالكامل تقريبًا على أقل من دولارين يوميًا للفرد -ابتكر شعبها وصفًا لما يعانونه من جوع وأطلقوا عليه (جوع الكلوروكس)؛ وهو مصطلح يعني أن بطونهم قد التهمتها إفرازاتها الحمضية لخلوّها الغذاء. وقد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة المعروفة باسم (الفاو) أن أعداد الجوعى حول العالم قد زادت في الفترة من عام 2003- 2005 م ما يقدر بحوالي ستة ملايين، وفي عام 2008 م وعلى الرغم أن الأسعار حينها كانت قد بدأت في التراجع ببطء، فقد كان هناك 36 بلدًا لاتزال تعيش في أزمة غذاء حرجة.

2- انحسار الريف المكسيكي

لا تختلف كلٌ من الزراعة الرأسمالية والزراعة الريفية الصغيرة في الطرق والنتائج فحسب، بل تختلف اختلافًا كبيرًا في الأهداف؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه الزراعة الرأسمالية للحصول على أعظم ربح من العملية الإنتاجية، نجد أن الهدف الرئيسي للمزارع الريفية الصغيرة هو توفير الغذاء على المستوى المحلى لأجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإذا وجد فائض في الإنتاج يصبح من الممكن كسب بعض المال من خلال تسويقه وتصديره، وهو تحديدًا ما كانت تقوم به (المكسيك ) في قطاعها الزراعي فيما قبل خضوعها لسياسات التكيف الهيكلي.

يمكن تلخيص المأساة التي تعرضت لها الزراعة في (المكسيك ) في تساؤل واحد هو: كيف أصبح المكسيكيون الذين كانوا أول من زرعوا الذرة على وجه الأرض يعتمدون على استيراد الذرة من (الولايات المتحدة الأمريكية )؟

بدأت أزمة الزراعة المكسيكية حين تعثرت (المكسيك ) في ديونها في أوائل الثمانينات وأصبحت ثاني أكثر الدول النامية المدينة في العالم، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتدخل وفرض سياسات الرأسمالية الجديدة ومنها التخلي عن فرض التعريفات الجمركية على السلع الواردة للبلاد وفرض برامج التكيف الهيكلي التي فشلت في كافة الدول التي طبقت فيها وأدت إلى انهيارها، وذلك في مقابل أن تقوم تلك المؤسسات بإسقاط الديون المكسيكية.

وتطبيقًا لبرامج التكيف الهيكلي الرأسمالية، فقد شهد الريف المكسيكي بين عامي 1981- 1986 م إلغاء الدعم الكامل على الزراعة والذي كانت تقدمه الدولة منذ عام 1930 م، بل واتجهت الدولة نحو خصخصة كافة مشاريع الإنتاج الزراعي، وانخفضت ميزانية وزارة الزراعة والموارد المائية بنسبة 74% بين أعوام 1981- 1987 م وقد انخفضت مرة أخرى بنسبة 34% بين أعوام 1991- 1995 م، بحجة أن تقليل الدعم والإنفاق سيمكن الحكومة من سداد ديونها الخارجية بشكل أسرع.

وفي الوقت الذي أدى رفع الدعم عن الذرة المكسيكية إلى ارتفاع أسعارها، كانت الذرة التي تنتجها (الولايات المتحدة ) التي تتلقى الدعم من حكومتها تكتسح السوق الأمريكي. هذا بالإضافة إلى إلغاء (المكسيك ) للتعريفات الجمركية على الواردات، وهو ما جعل الذرة المكسيكية لا تتمكن من النجاح في تلك المنافسة الشديدة. لم تتوقف سياسات التكيف الهيكلي عند هذا الحد بل كانت تسعى أيضًا إلى التخلص من 15 مليون فلاح بحجة أنهم فائضون عن حاجة العمل دون الاهتمام ولو قليلاً بالآثار الناتجة عن تنفيذ قرار كهذا أو حتى الالتفات إلى مصير هؤلاء المطرودين. وقد توجه الفلاحون الذين تم الاستغناء عنهم للهجرة والبحث عن فرص عمل خارج البلاد حتى وصلت معدلات الهجرة السنوية إلى نسب غير مسبوقة.

فبحلول عام 2006 م كان 10% من سكان (المكسيك ) يعيشون في (الولايات المتحدة الأمريكية) وحوالي 15% من قوة العمل المكسيكية تعمل في (الولايات المتحدة)؛ حيث كان هناك عامل من بين كل سبعة عمال مكسيكيين يهاجر إلى (الولايات المتحدة). هكذا لم تتمكن (الولايات المتحدة ) بمساعدة المؤسسات الدولية من أن تنتزع من (المكسيك ) قدرتها على زراعة الذرة وتصديرها فحسب، بل تمكنت كذلك من انتزاع ثروتها البشرية المتمثلة في عمالها وفلاحيها.

3- أزمة الأرز في (الفلبين )

4- تدمير الزراعة الأفريقية

5- الأزمة الزراعية في (الصين)